عدد الرسائل : 28 المزاج : nn تاريخ التسجيل : 04/01/2008
موضوع: النظافة والزينة والتجمل في الاسلام الأربعاء يناير 09, 2008 8:32 am
النظافة والزينة والتجمل
إن تطهير العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والمعاصي والبدع مقرون بتطهير ظاهر الإنسان وثوبه ورقعته، أناقة من غير سرف، وتجمل من غير تكلف.
ولهذا جاءت هذه المادة لتبين دعوة الإسلام لتطهير الظاهر والباطن، ولتوضح بعض مظاهر الطهر والنقاء في توجيهات الإسلام، فحين يجمل الدين البواطن بالهداية إلى الصراط المستقيم، فإنه يجعل الظواهر في أحسن تقويم
الحمد لله المحمود بكل لسان، واسع الفضل والإحسان، أحمده سبحانه وأشكره، حمداً وشكراً تنال به نواهل الرضوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين؛ الإنس والجان، بلغ الرسالة وأوضح المحجة، حث على منار الحق وأبان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التقى والإيمان، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس ونفسي- بتقوى الله، فالسعيد من اتقى ربه، وتدبر أمره، وأخذ حذره، واستعد ليومٍ لا تقال فيه عثرة، ولا تنفع فيه عبرة.
أيها المسلمون: الإسلام دين الفطرة، تصلح له وتصلح به كل الأزمنة وكل الأمكنة، فهو دين العقيدة والشريعة، يعالج شئون الحياة كلها في سلفية لا تتوقف عند عصر، بل تتجدد لتعالج أوضاع كل عصر، وتفتي في كل شأن، وتقضي في كل أمر.
دين يجمع البشاشة في حياة، وحسن الخلق في ابتسامة. دين يعترف ما للبشر من أشواقٍ قلبية، وحظوظ نفسية، وطبائع إنسانية.
لقد أقر الدين ما تتطلبه الفطرة من سرور وفرح، ولباسٍ وزينة، محاطٌ بسياج من الأدب الرفيع، يبلغ بالمتعة كمالها ونقاءها، وبالسرور غايته، بعيداً عن الخنى والحرام، والظلم والعدوان والغل وإيغال الصدور، ومتطلبات الفطرة هذه جاءت في دين الإسلام، مصاحبة ومرتبطة وملازمة لإصلاح المعتقد وسلامة الباطن: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:1-5].
فتطهير العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي مقرون بتطهير الظاهر في بدن الإنسان وثوبه ورقعته، يجمع المسلم بين النظافتين، ويحافظ على الطهارتين، وحين يجمل الدين بواطنهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، فإنه يجمل ظواهرهم في أحسن تقويم.
إذا كان ذلك كذلك -أيها الإخوة- فإن الأخذ بالزينة والقصد إلى التجمل، والعناية بالمظهر، والحرص على التنظف والتطهر من أصول الإصلاح الدينية والمدنية التي جاء بها ديننا، وتميز بها أتباعه.......
وفي خبر نبينا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم: {خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر } إنها الفطرة، وسنن المرسلين اتفقت عليها الشرائع، ودعت إليها الديانات، وترك ذلك وإهماله مضر بالجسم وتشبه بالوحوش والسباع، بل تشبه بالكفار المبتعدين عن صحيح الفطرة وهدي المرسلين.
ومن أجل هذا -أيها الإخوة- فإن الإسلام حريص على أخذ أبنائه بنظافة الحس مع نظافة النفس، وصفاء القلب مع نقاء البدن، وسلامة الصدر مع سلامة الجسد، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
أيها الإخوة: المسلمون هم الذين نشروا النظافة والتنظف في أصقاع الدنيا حيثما حلوا وأينما وجدوا مما لم تعرفه الأمم السابقة قبلهم.
إن من يقرأ تاريخ الأمم والملل يعلم أن أكثر البشر يعيشون كما تعيش الوحوش في جزائر البحار وكهوف الجبال وأكواخ الأدغال، كلهم أو جلهم يعيشون عراةً أو شبه عراة، الرجال منهم والنساء، وما دخل الإسلام بيئة ولا بيتاً إلا وعلمهم حسن اللباس، وجمال الستر، ونظافة البدن، وطهارة المسكن، بالإيجاب تارة وبالاستحباب أخرى، نقلهم من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية، وهذا الحديث لا يخص العصور الغابرة، بل إنك بكل ثقة وأسى لا ترى أمكنة أو أزمنة انطمست فيها آثار النبوة إلا ويتجلى فيها صور الجهل والظلم، والكفر بالخالق، والشرك بالمخلوق، واستحسان القبائح، وفساد العقائد، وانحراف السلوك، وما خليت ديار من هدي النبوة إلا وكان أهلها أشبه بالبهائم؛ يتهارجون في الطرقات، ويتعاملون كالعجماوات، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ولا يتورعون عن قبيح، ولا يهتدون إلى سبيل، وشواهد ذلك في عصركم هذا تجلو الحق والعدل.
إن المسلمين نماذج رائعة للطهر والجمال عندما ينفذون تعاليم دينهم في أبدانهم وبيوتهم، وطرقهم ومدنهم، ومساكين بعض المنتسبين للإسلام ممن يولون وجوههم شطر نظم وتقاليد وعادات يعجبون بها وهي لغيرهم، ويتشبثون بها وعندهم خيرٌ منها في دينهم، وعند الله ما هو أزكى وأتقى وأغنى وأنقى: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة: 138].......
[b]أيها الإخوة: وهذا استعراض لبعض مظاهر الطهر والنقاء والجمال والزينة في توجيهات الإسلام وسلوك المسلمين المستمسكين.
وأمة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم تُعرف يوم القيامة بين الأمم بغرتها وتحجيلها من آثار الوضوء.
والسواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، وقص الشارب وحفه من التجمل، ومن كان له شعرٌ فليكرمه بالغسل والدهن والترجيل والتطييب، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً شعثاً رأسه قد تفرق شعره فقال: {أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره }.
وقص الأظافر، وغسل البراجم وهي: مفاصل الأصابع، ونتف شعر الإبط، وحلق العانة، واجتناب الروائح الكريهة؛ من الثوم والكراث والبصل، كل ذلك من التوجيهات المتأكدة رعايتها، والإنسان قد يحتمل من غيره ألواناً من الأذى ولكنه لا يصبر على الرائحة المنتنة تنبعث من فمٍ أو عرقٍ أو غيرهما، ويتأكد ذلك في المساجد التي يؤمها المسلمون للطاعة وذكر الله والصلاة، وكيف تخشع نفسٌ مهتاجة مضطربة تعرضت للأذى، وتعكر عليها صفو مناجاة الرب تعالى، وانقطعت من لذة التضرع والتذلل.
ومن المستكره فتح الفم عند التثائب لما في ذلك من قبح المنظر، وقلة الذوق، وإيذاء الجليس، وسرور الشيطان.
وفي مقابل ذلك جاء الحرص على الطيب والحث على التطيب، ونبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم يحب الطيب ويكثر من التطيب.
وغطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، واجتنبوا الجشاء، ولا تشربوا من فم السقاء، ولا تتنفسوا في الإناء، ولا تنفخوا فيه، والتنظف من بقايا الطعام وفضلاته، في الأيدي والأفواه والأسنان كل ذلك مندوبٌ إليه، وشرب نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لبناً، ثم تمضمض، وقال: {إن له دسماً }
ومن الدقة في التعاليم رعاية سبل وقاية المجتمع في آداب قضاء الحاجة، لا يتلوث بها ماء، ولا يتنجس بها طريق أو مستظل، فقد جاء النهي عن البول في الماء الدائم، وقال عليه الصلاة والسلام: {اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل }.......
وفي الناس أجلاف يظنون أن قصد الزينة تصنع، فيرد عليهم ابن الجوزي رحمه الله بقوله: "وهذا ليس بشيء، فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا؛ لأن للعين حظاً من النظر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنظف الناس وأطيبهم، وكان لا يفارقه السواك، ويكره أن تشم منه ريحٌ ليست طيبة" فهو عليه الصلاة والسلام كاملٌ في العلم والعمل، فيه يكون الاقتداء، وهو الحجة على الخلق، بل إن بعض محترفي التدين يحسبون فوضى اللباس وإهمال الهيئة والتبذذ المستكره ضرباً من العبادة، وربما ارتدوا المرقعات والثياب المهملات، وهم على خيرٍ منها قادرون، ليظهروا زهدهم في الدنيا وحبهم للأخرى، وهذا جهلٌ وخروجٌ عن الجادة.
إنه لا يطيق الروائح الكريهة والأقذار المستنكرة إلا ناقص الفطرة وجمال الأدب، وإنما لبس المرقع من لبسه من السلف الصالحين لاستدامة الانتفاع بها، يوضح ذلك ويجليه الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله حين يقول: وما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنه كان يرقع ثيابه إنما يفعله لاستدامة الانتفاع به وذلك شعار الصالحين، حتى اتخذه المتصوفة شعاراً فجعلته في الجديد وليس بسنة، بل هو بدعة عظيمة، وإنما المقصود من الرقع هو الانتفاع بالثوب.
[b]أيها الإخوة: ومن دقق النظر في طبائع النفوس وأخلاق البشر رأى بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن، وطهارة الجسد واللباس، وطهارة النفس وكرامتها ارتباطاً وثيقاً وتلازماً بيناً. نعم إن هناك تلازماً بين شرع الله في اللباس والستر والزينة، وبين تقوى الله عز وجل في النفوس، فكلاهما لباس، فالتقوى لباسٌ يستر عورات القلوب ويزينها، والثياب تستر عورات الجسم وتزينها.
من تقوى الله ينبع الحياء الذي ينبت الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يكترث أن يتعرى أو يدعو إلى التعري.
ومن أجل هذا -أيها الإخوة- فإن ستر الجسد ليس مجرد أعراف وتقاليد كما يزعم الماديون الهادمون لأسوار العفة والفضيلة، ولكنها فطرة الله التي فطر الخلق عليها، وشريعته التي أنزلها وكرم بها بني آدم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، وكما تغسلون أدرانكم بالماء فاغسلوا ذنوبكم بالتوبة، توبوا إلى ربكم واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.......</TD></TR></TABLE>[/b][/b][/b]